تاءات | مع رأفت زيني

MIT بين تصدير التعليم واستيراد العقول

Raafat Zaini Season 1 Episode 35

كيف ساهمت MIT في تطوير التعليم العالي حول العالم؟ وماذا كانت آثار تلك التجارب؟ 

شكرًا لحسن استماعكم ..


رأفت محمود زيني 
raafat@alzaini.com
raafatzaini@

رابط المقال:

Zaini, R.M., Lyan, D.E. & Rebentisch, E. Start-up research universities, high aspirations in a complex reality: a Russian start-up university case analysis using stakeholder value analysis and system dynamics modeling. Triple Helix 2, 4 (2015). https://doi.org/10.1186/s40604-014-0016-8


#بودكاست_تاءات
#تاءات 
#تنوع #ابتكار #ذكاء #ريادة #تجارب #مهارة #تصميم #تطوير #منهجية #تقنية #منظمة #هيكل #تنظيمي
#تغيير #إدارة #تشبيه #استعارة #مرونة #مركزية #لامركزية #تخصص #استجابة #فعالية #جامعة #تنمية #اقتصاد #شركات #ريادةـأعمال

معلومات عن البودكاست:

المنتج المنفذ: م. فهد الصبحي
تصميم الغلاف: رأفت زيني بمساعة تشات جي بي تي 

Intro Music:
https://www.pond5.com/royalty-free-music/item/145582345-minimal-ambient-technology-science-logo-edit
Composer: ihsandincer

Break Music: 
https://pixabay.com/music/main-title-cinematic-melody-main-9785/

Background Music:
https://www.pond5.com/royalty-free-music/item/40864712-inspirational-technology-corporate-ambient-calm-documentary
Composer: Max Viktorov

Outro Music:
https://www.pond5.com/royalty-free-music/item/115435809-inspirational-science-intro-outro-40-sec
Composer: SKHSOUNDS

عنيت مؤسسات التعليم العالي تاريخيًا بحفظ وتطوير المعرفة، وتغيرت مع مرور الوقت فبرزت الجامعات الريادية التي استهدفت تفعيل المعرفة لخدمة الأغراض الاقتصادية، من خلال الجمع بين البحث والتعليم والابتكار الصناعي، والمساهمة في التنمية الاقتصادية الإقليمية والتي يعد معهد ماساتشوستس للتقنية المعروف ب (إم آي تي)من أشهر معالمها. وقد كان نائب رئيس المعهد، ڤانيڤار بوش، من أبرز المدافعين عن ذلك النموذج الريادي، الذي انتقل لاحقًا إلى جامعة ستانفورد بعد الحرب العالمية الثانية عبر طالبه فريدريك تيرمان، كما أشرنا إلى ذلك في حلقة "الرادار الألماني والمارد الأمريكي".

منذ خمسينيات القرن العشرين، وبعد فترة وجيزة من إعادة تعريف التعليم الهندسي داخل MIT، اتبعت المؤسسة استراتيجية واضحة: وهي أن تصبح جامعة عالمية ذات علاقات بحثية عميقة مع شركاء في مختلف أنحاء العالم. وكان تركيزها على ريادة الأعمال ملموسًا من خلال ظهور مئات الشركات الناشئة التي ازدهرت على امتداد طريق 128 بالقرب من بوسطن، مما حفز المتحمسين لهذا النموذج على محاولة تسويقه للعالم النامي. كان التصور السائد آنذاك أن "الهندسة الحديثة، مثل الرأسمالية الحديثة، قابلة للتعميم، وأن الدول الأقل تطورًا ستتقدم عبر محاكاة الأكثر تطورًا."
 ورغم كل هذا الحماس، جاءت تجربة MIT في تصدير نموذجها التعليمي إلى أنحاء العالم بنتائج مختلطة، لكنها تطورت ونضجت مع مرور الزمن.في هذه الحلقة، نستعرض معًا أبرز محطات هذه التجربة في الهند وإيران والبرتغال وسنغافورة وروسيا. للتنويه فإن محتوى الحلقة مقتبس من بحث منشور شاركت في إعداده بعنوان “الجامعات البحثية الناشئة: تطلعات عالية في واقع معقد” وعنوانع باللغة الإنجليزية (Startup Research Universities: High Aspirations in a Complex Reality) وسأضع رابطًا له في وصف الحلقة وهو متاح للقراءة مجانًا. 

في ستينيات القرن الماضي، تعاونت الحكومة الهندية مع MIT لتأسيس المعهد الهندي للتكنولوجيا في كانبور (IIT Kanpur) بتمويل من USAID الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية والتي أغلقت أبوابها مؤخرً.  صُمم المعهد على نهج MIT في تعليم الهندسة والعلوم التطبيقية وسرعان ما حقق المعهد سمعة أكاديمية عالمية، لكن أكثر من 80% من خريجيه الأوائل في علوم الحاسوب اتجهوا إلى الولايات المتحدة بحثًا عن فرص بحثية وعلمية أوسع ربما لأن الوظائف التي تلائم خريجيه لم تكن موجودة في الهند خلال تلك الحقبة، حتى سادت مقولة: " أن الطالب عندما يقبل في معهد كانبور تهاجر روحه إلى أمريكا ليلحق بها جسده بعد تخرجه". الهجرة التي بدت في البداية وكأنها نزيف للعقول بدأت تتراجع مع مرور الوقت، حيث انخفضت النسبة إلى نحو 40%، وبدأت دورة عكسية عاد فيها بعض الخريجين للاستثمار في المشهد التكنولوجي المتصاعد للهند.

بالتوازي مع تجربة IIT Kanpur، كانت هناك قصة أخرى مختلفة وهي معهد بيرلا للتقنية والعلوم (BITS). هذه المؤسسة تأسست نتيجة رؤية ودعم رجل الأعمال والصناعي الهندي الشهير غنغامداس بيرلا (G.D. Birla) وبتمويل من مؤسسة فورد الخيرية، الذي آمن بضرورة تطوير تعليم هندسي يخدم احتياجات المجتمع والصناعة الهندية مباشرة. ركز المعهد على تطوير مهندسين محليين قادرين على مواجهة التحديات الصناعية باستخدام الموارد المحلية. لم يكن هدفه أن يصل إلى مصاف الجامعات العالمية، بل أن يعزز البيئة الداخلية  الصناعية والاجتماعية. ورغم أن شهرة BITS لم تصل إلى نفس مستوى IIT عالميًا، إلا أن تأثيره داخل الهند كان عميقًا ومستمرًا.

أما في إيران، فقد كانت تجربة مختلفة حين أسست حكومة الشاه بالتعاون مع MIT جامعة آريامهر للتكنولوجيا (AMUT) في بداية السبعينيات، والتي حمل اسمها معنى "نور الآريين" الذي يعكس الاعتزاز بالتراث الثقافي الإيراني، وجسدت طموحًا لتوطين التكنولوجيا داخل إيران، عبر تأسيس مراكز أبحاث متعددة التخصصات تختلف عن الأقسام الأكاديمية التقليدية ومناهج تعليمية مبتكرة بنكهة محلية سبقت حتى تلك التي في MIT نفسها بعقد من الزمان. كان الهدف واضحًا: امتلاك التكنولوجيا، لا استيرادها. وتخريج نخبة من المهندسين القادرين على المنافسة عالميًا دون التفريط بالهوية الثقافية الإيرانية. خرّجت الجامعة دفعات نخبة من أفضل المهندسين الذين ساهموا في تطوير القطاعات التقنية والصناعية المحلية بشقيها المدني والعسكري. ومع ذلك، واجهت تلك التجربة تحدي استبقاء الكفاءات، حيث فضّل العديد من خريجيها مواصلة مسيرتهم العلمية والمهنية خارج البلاد وبقي منهم من بقي، وهو مسار شائع بين الدول التي سعت إلى بناء قواعد علمية حديثة في فترة زمنية قصيرة. بعد الثورة، انقسمت الجامعة إلى جامعة شريف للتكنولوجيا وجامعة أصفهان للتكنولوجيا ولا تزالان من بين أهم الجامعات الإيرانية. 


في البرتغال، فقد اختارت الحكومة مسارًا مختلفًا. ففي عام 2006، أُطلق برنامج MIT-البرتغال (MPP) ليعيد تشكيل منظومة التعليم العالي الوطنية بالتعاون مع MIT، لكن دون تأسيس جامعات جديدة. ركز البرنامج على تحديث المناهج، وتعزيز ثقافة البحث والابتكار، وبناء شبكة تواصل قوية بين الجامعات والصناعة. على عكس تجارب أخرى، كان الحرص شديدًا على تفادي هجرة العقول، عبر تصميم برامج دراسية تدمج بين الخبرة الدولية والتأهيل المحلي ، مما سمح بتعزيز القدرات الوطنية دون فقدان الطاقات الشابة،  فدراسة طلبة الدراسات العليا تبدأ في البرتغال ثم يبتعثون للدراسة مدة عام في إم آي تي ثم يعودون لقضاء العام الدراسي الأخير في البرتغال ونيل  الدرجة العلمية من جامعاتهم البرتغالية فيما يعرف باستراتيجية الساندوتش. 


في سنغافورة، كان الطموح كبيرًا لتحويلها إلى "بوسطن الشرق"، عبر تحالف أكاديمي مع MIT شمل تطوير برامج دراسات عليا متقدمة وتعزيز البحث المشترك في الجامعة الوطنية السنغفورية  NUS وجامعة نانيناق التقنيج NTU. ورغم النجاح الأكاديمي الكبير الذي تحقق، إلا أن خلق بيئة ريادة أعمال مماثلة لوادي السيليكون ظل تحديًا قائمًا. فالثقافة المجتمعية التي تحبذ النظام وتفضل المسارات المهنية الآمنة لم تفسح المجال بسهولة لازدهار المبادرات الريادية التي تعتمد على المخاطرة وتقبل الفشل كجزء ضروري في مسيرة النجاح.


في العقد الثاني من الألفية، انتقلت هذه المحاولة إلى روسيا. حيث تأسس معهد سكولكوفو للعلوم والتكنولوجيا (Skoltech) عام 2011 بمبادرة من الحكومة الروسية وبشراكة أكاديمية استراتيجية مع MIT وقد كنت أحد أعضاء الفريق الاستشاري فيها حيث شاركت في بناء نموذج ديناميكي لمحاكاة استراتيجيتها. جاء المشروع كجزء من رؤية أوسع لتحويل موسكو وضواحيها إلى مركز للابتكار التكنولوجي وريادة الأعمال، على غرار وادي السيليكون. كان الهدف من Skoltech دمج البحث العلمي والتعليم العالي مع تطوير الشركات الناشئة والتطبيقات العملية و اختيار نخبة من الطلاب والباحثين من داخل روسيا وخارجها، مع منهج تعليمي ومختبرات بحثية حديثة تستلهم أسلوب MIT.


ورغم الدعم الحكومي الكبير والطموح العالي، واجه المشروع تحديات تتعلق بالسياق المحلي، بما في ذلك البيئة السياسية والتنظيمية ومستوى الانفتاح على الشراكات الدولية وتوقع مكاسب سريعة جدًا نفس الوقت تتمثل في استقلال الجامعة عن الدعم الحكومي خلال خمس سنوات من تأسيسها رغم صعوبة ذلك كما أظهرت نموذج محاكاة استراتيجيتها، فمثلاً عند عرض النموذج على مدير الجامعة والذي كان أستاذًا في إم آي تي لفت انتباهه أنني قد ضمنت احتمالية تسرب نسبة من الطلاب بعد العام الدراسي الأول كما يحدث في أي جامعة في العالم فطلب مني إزالة ذلك الجزء من النموذج ولم يرض حتى بتغيير النسبة إلى صفر في المئة لاعتبارات تتجاوز الدقة التقنية. في نفس الوقت كانت هناك مخاوف من تسرب الكفاءات إلى الخارج بمجرد انتهاء تدريبهم أو حتى بعد دراستهم التحضيرية في إم آي تي، مما أعاد إلى الواجهة قلقًا مستمرًا حول هجرة العقول. جدير بالذكر أن الشراكة الاستراتيجية بين إن آي تي وسكولتك حلت بمجرد بداية الحرب الروسية الأوكرانية. 



صدرت إم آي تي خبرتها وأدواتها بل وحتى أسلوب إدارتها خارج الحدود كما قامت بتجربة أفكار ابتكارية جديدة في التعليم العالي خارج أمريكا وتعلمت من نتائجها وتبنتها لاحقًا واستوردت في نفس الوقت نخبة من العقول التي ساهمت في تجديد حيويتها واستدامة تألقها ، لكن النتيجة في كل حالة كانت مرتبطة بالسياق المحلي أكثر مما كانت مرتبطة بالنموذج المستورد. فبناء جامعة بمناهج متقدمة لا يعني بالضرورة خلق بيئة تحتضن الإبداع والابتكار بنفس الطريقة. فالعوامل الثقافية والاجتماعية، والبنية الاقتصادية والسياسية، تلعب دورًا حاسمًا في تشكيل مصير هذه المؤسسات.  ورغم اختلاف النتائج، فإن التجربة العالمية لـ MIT تظل درسًا مهمًا مفاده أن المعرفة يمكن تصديرها واستنباتها، ولكن البيئة المحلية وحدها هي التي تحدد كيف ستنمو هذه المعرفة، وأين ومتى ستثمر.


شكرًا لحسن استماعكم ويسرني استقبال تعليقاتكم وإلى اللقاء