تاءات | مع رأفت زيني

التعاليم الدارباوية لطرح الأفكار الابتكارية

Raafat Zaini Season 1 Episode 38

كيف تساعد الأسئلة البسيطة على توضيح الأفكار الجريئة؟ 

شكرًا لحسن استماعكم ..

رأفت محمود زيني 
raafat@alzaini.com
raafatzaini@

#بودكاست_تاءات
#تاءات 
#تنوع #ابتكار #ذكاء #ريادة #تجارب #مهارة #تصميم #تطوير #منهجية #تقنية #منظمة #بحث #اقتصاد #شركات #ريادةـأعمال #تقنية #ناشئة #مزعزعة

معلومات عن البودكاست:

المنتج المنفذ: م. فهد الصبحي
تصميم الغلاف: رأفت زيني  

Intro Music:
https://www.pond5.com/royalty-free-music/item/145582345-minimal-ambient-technology-science-logo-edit
Composer: ihsandincer

Break Music: 
https://pixabay.com/music/main-title-cinematic-melody-main-9785/

Background Music:
https://www.pond5.com/royalty-free-music/item/40864712-inspirational-technology-corporate-ambient-calm-documentary
Composer: Max Viktorov

Outro Music:
https://www.pond5.com/royalty-free-music/item/115435809-inspirational-science-intro-outro-40-sec
Composer: SKHSOUNDS


شكرًا على تفاعلكم الجميل مع الحلقة السابقة " القواعد الذهبية لإدارة المشاريع الابتكارية" .. بعض تعليقاتكم أوحى لي بمواضيع جديدة عن المنظمة المتعلمة والمنظور السياسي للمنظمة وغيرها .. كما وردني طلب بمزيد من الإسهاب والشرح والتوضيح مما يعني بالضرورة زيادة في طول الحلقات وهذا ما أحاول تجنبه قدر المستطاع ببذل جهد كبير لإيصال الأفكار الأساسية بأقل عدد من الكلمات دون إخلال بوضوح المحتوى وجودته .. أملاً مني في إثارة الاهتمام لديكم بالاستزادة مما يروق لكم .. دليل ذلك أحد الإخوة ذكر لي بأن بين ريتش الذي عمل مع كيلي أضاف قاعدة غير معلنة عن تجنب العمل مع البحرية الأمريكية لصعوبة إرضاءهم ..  ممتن جدًا لهذا التفاعل الذي أرجو أن يستمر والذي يشجعني على مواصلة الحلقات رغم الانشغالات .. أما الآن فمع موضوع حلقة اليوم .. "التعاليم الدارباوية لطرح الأفكار الابتكارية" .. أتمنى لكم تجربة استماع تجمع بين المتعة والفائدة ..  


 جلس جورج هايلماير مدير وكالة مشاريع الأبحاث الدفاعية المتقدمة – داربا خلال حقبة السبعينيات في مكتبه الواقع في آرلينقتون ڤيرجينيا يفكر في حل لمعضلة متكررة: كان كلما استلم مقترحًا لمشروع بحثي وجد الفكرة الأساسية دفينة تحت كوم من المصطلحات والرسومات والتفاصيل التقنية مما أثار قلقه، كيف لا وهو يدير وكالة شغلها الشاغل، بل وسبب تأسيسها عام ١٩٥٨، هو تجنب المفاجآت المباغتة  التي تعرف باللحظات السبوتنيكية نسبة لقمر سبوتنيك الصناعي الذي أطلقه الاتحاد السوڤيتي عام ١٩٥٧ في حدث مزلزل هز ثقة أمريكا في قدرتها على السبق التكنولوجي. ولهذا السبب تبذل الوكالة الغالي والرخيص في تبني ودعم تطوير الأفكار التي تتجاوز حدود الخيال أحيانًا وتنفيذها خلال فترات قصيرة جدًا لا تتجاوز الخمس سنوات، كما تمكن أصحابها بتسخير الموارد المالية والطاقات البشرية والدعم المؤسسي لهم .. كما عبّر عن ذلك أحد مدراء برامجها في إحدى حلقات بودكاست "Voices from DARPA” قائلاً : " في داربا تعمل جميع الإدارات مثل تقنية المعلومات والموارد البشرية والشؤون القانونية وغيرها لتسهيل بل وتسريع أمور مدير البرنامج"  فيمكنونه بذلك من تحقيق المتطلبات الجوهرية دون التعثر في التعقيدات الداخلية. فإذن من باب أولى ضرورة وجود حل لتسريع وتسهيل أسلوب طرح الأفكار بداية، وهنا تساءل هايلماير : “لماذا لا نعيد كتابة متطلبات المقترحات على هيئة أسئلة قصيرة يجيب عليها الباحث بشرح ما ينوي فعله كما لو كان يحدّث شخصًا عاديًا؟”


وهكذا وفي لحظة تحول مؤسسية ولدت تعاليم هايلماير الدارباوية، وهي عبارة عن مجموعة أسئلة قصيرة بديهية، غيّرت طريقة طرح أفكار المشاريع الابتكارية. قد تبدو هذه الأسئلة يسيرة، لكن عمقها في الحقيقة يمثل بوصلة للتفكير الاستراتيجي. فهي تعين المبتكرين على استجلاء الصورة الكاملة: من وضوح الفكرة، إلى قيمتها، ومخاطرها، وكيفية قياس نجاحها، وصولًا إلى أثرها على المجتمع.


أول هذه الأسئلة: ما الذي تحاول عمله؟ وهو سؤال رغم بساطته إلا أنه يختبر عمق و وضوح الفكرة. فمشروع مثل ARPANET، الذي أصبح لاحقًا شبكة الإنترنت التي غيرت العالم، كانت إجابة سؤاله ببساطة: بناء نظام اتصالات مرن يستطيع الصمود أمام الأعطال والهجمات.


السؤال الثاني: ماهي الطرق المستخدمة حاليًا؟ وما الجديد الذي لديك؟ في زمنٍ كان الذكاء الاصطناعي يعتمد على قواعد جامدة لا تتعلم ولا تتكيف، جاء من يقول: لدينا طريقة جديدة، اسمها الشبكات العصبية. تلك الطريقة التي كانت آنذاك مثار سخرية العلماء أصبحت فيما بعد أساس مايعرف بالتعلم العميق الذي تولدت عنه ثورة الذكاء الاصطناعي التي نعيشها اليوم.


السؤال الثالث: ما الجديد في فكرتك؟ ولماذا قد تنجح؟ برزت إجابة ذلك السؤال في مشروع للتعرف على الكلام عمل عليه معهد ستانفورد للأبحاث (SRI). حيث جرب الباحثون شيئًا مختلفًا: استخدام الشبكات العصبية لفهم الصوت البشري. كانت مغامرة علمية جديدة، لكنها نجحت وأصبحت هي البذرة التي نبتت منها تطبيقات مثل سيري وأليكسا.


السؤال الرابع: من يهتم بهذا الموضوع؟ وما الفائدة منه إذا نجحت؟. قد تكون الفكرة عبقرية، لكن قيمتها لا تظهر إلا حين نعرف من المستفيد منها. وهنا نتذكر مشروع نظام الملاحة العالمي GPS، الذي بدأ كنظام لخدمة الملاحة العسكرية، لكنه سرعان ما أصبح خدمة يومية لكل إنسان يحمل هاتفًا أو يقود سيارة أو يبحر بسفينة تجارية.


ولأن الابتكار لا يخلو من المخاطر، جاء السؤال الخامس: ما هي المخاطر والتحديات الرئيسية؟ ولعل أقرب مثال هنا هو طائرة الشبح؛ حيث تمثل التحدي في إخفائها عن الرادار دون أن تفقد كفاءتها في الطيران، ودون أن تتضاعف تكلفتها إلى حد الاستحالة. لم يكن الأمر سهلًا، لكن النتيجة كانت الطائرة F-117 نايت هوك، أول مقاتلة شبحية في التاريخ.


أما السؤال السادس: كم سيكلف هذا المشروع؟ وكم سيستغرق من وقت؟ فهو سؤال يعيد الأحلام إلى أرض الواقع. فمشروع مثل ALASA لإطلاق المركبات الفضائية من الطائرات (ترجمة) حُددت تكلفته بحوالي 145 مليون دولار، بينما وُلد برنامج VTOL X-Plane للطائرات التي تقلع وتهبط عموديًا بتقدير زمني لخمس سنوات، ثم توقّف وأُعيد إحياؤه ليستهدف عام 2026. إن في ذلك تذكرة بأن الزمن والمال ليسا تفاصيل جانبية، بل جزء من جوهر الفكرة الأساسية.


وأخيرًا، السؤال السابع: ما هو الاختبار النصفي والنهائي وماهي درجة النجاح؟ أي ماهي معايير النجاح وكيف ستُقاس في حالة برنامج المركبات ذاتية القيادة. لم تكتفِ الوكالة بالوعود على الورق، بل وضعت السيارات في سباقات ميدانية فعلية. فقيس النجاح بالقدرة على القيادة المستقلة في بيئات معقدة، وهذا ما وضع الأساس للتكنولوجيا التي تقود سيارات اليوم.


ومع مرور العقود، أدركت داربا أن هناك حاجة لإضافة أسئلة جديدة لتغطية التحديات المستجدة . فأضافت سؤالًا عن خطة التجسير (Transition Plan) فولد سؤال جديد خلال التسعينيات إذا نجحت، كيف ستخرج الفكرة من المختبر إلى السوق أو التطبيق العملي؟ ومن سيتبناها؟ ثم لحقه  سؤال آخر خلال السنوات الأخيرة عن الاعتبارات الأخلاقية والقانونية والاجتماعية (ELSI) التي قد تترتب نتيجة تلك الابتكارات.


لقد ساعدت تلك الإضافات على إنضاج وتطوير جوهر ماسبقها من الأسئلة لتعكس بذلك ثقافة المنظمة الابتكارية التي تسعى للتجدد بمراجعة مستمرة لمنهجياتها دون أن تتخلى عنها بمجرد تغيّر قياداتها، فوازنت بين الحفاظ على الموروث وتجنب الجمود الذي قد ينتج عن الوقوع في أسره. تلك المنظمات تدرك أن الابتكار ليس مشروعًا ينتهي، بل رحلة مستمرة، وتميز  ثقافتها تكمن في أنها تُراجع نفسها بلا توقف، وتطور أدواتها جيلاً بعد جيل بما يسمى بالمنظمة المتعلمة التي لا تكتفي بتراكم المعرفة بل بالتفكير في طريقة تفكيرها. 


ولحسن الحظ لم تبق تعاليم هايلماير حصرية على رفاقه الدارباوية بل تحولت إلى إرث فكري يستفيد منه الباحثون، والمعلمون، ورواد الأعمال، بل وحتى صناع السياسات، للتأكد من أن أي فكرة جديدة ليست مجرد وميض عابر، بل نواة مشروع واعد يمكن أن يُحدث تحولاً تاريخيًا في حياة البشرية.


شكرًا لحسن استماعكم .. ويسعدني سماع ملحوظاتكم .. كمايشرفني اشتراككم في قناتي على اليوتيوب .. وتفعيل جرس التنبيهات لتصلكم أحدث الحلقات.. وإلى اللقاء.